بقلم "هبة الدعوشى" :
ما أكثر ما نمر به من ألم .. وما أعجب قدراتنا على تحمل صوره المختلفة !
الشعور بالألم يتفاوت كثيراً بين شخص وآخر .. بل ويتفاوت بين أمر وآخر للشخص الواحد ذاته ..
فسيولوجياً هذا ممكن بسبب بعض المواد الكيميائية التى تُفرز فى الجسم وأنظمة معينة للتحكم فى هذا الشعور بالألم الجسدى ..
أما نفسياً وشعورياً وسيكولوجياً أعثقد بأن الأمر أكثر تعقيداً وأبلغ تأثيراً بالنسبة للألم الروحى ..
كيف يكون هناك إنسان مصابه بسيط جداً ولكنه يضيق به ويجزع ؟!
وآخر مصابه أعظم وأشد ويتحلى الصبر والصمود أمامه ؟!
وهذا الإنسان الصامد متى تخور قواه ويضعف أمام الألم ؟!
وذاك الإنسان الجزع متى سيشتد عوده ويقوى على المواجهة ؟!
كل هذه الأسئلة وأكثر تجول بخاطرك إذا تأملت الأمر قليلاً ..
فى رأى أن هناك بعض العوامل التى تتحكم فى ذلك ..
أولاً : رؤيتنا للأمور
نحن لسنا طوال الوقت فى ألم ولسنا واقعين تحت وطأة الضغوط والمشاكل والهموم طوال عمرنا من يوم خُلقنا إلى موتنا _هذا الاعتقاد عليه أن يكون دائماً حاضراً فى ذهننا وعياً ولاوعياً _وعليه فإن أى نازلة تحل بنا أو ألم يصيبنا هو أمرٌ عارض وحتما سيمضى ويزول مهما استغرق من وقت ..وأن ما حدث أمورٌ قدرية وليس هذا منّا وحدنا ولكن أيضاً مما حولنا .. فقط كل ما علينا فعله هو معرفه كيفية التعامل معه والصمود أمامه .. وليس بالضرورة أن نغلبه وننتصر عليه .. فالنصر كثيراً ما يكون فى فكرة المقاومة فى حد ذاتها وليس الفوز بالضرورة .. فنحن كثيراً ما قد نعجز عن تغيير ما حولنا ،ولا نملك من قانونه شيئاً .. ولكن نستطيع أن نغيرأنفسنا ونملك قانون أنفسنا من الثبات والتوازن والاهتداء إلى القصد والنجاة رُغم ما حولنا _ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا _ ..
كما يقول الرافعى "فلا يعتبن الإنسان على الدنيا وأحكامها .. ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه "
ثانياً: طبيعة شخصيتنا
أعتقد أن هذا الأمر بالوراثة أو بالفطرة التى يولد بها الإنسان .. وأن الله يهبها للإنسان بقدر .. ولكنها أيضاً تعتمد بصورة كبيرة على التربية والتنشئة الصحيحة القوية فى الصغر ..
فكُلّما ازدادت قوتنا الداخلية واشتدت إرادتنا كُلّما ازدادنا مقدرة على الصمود أمام ما يواجهنا .. ولكن ليست تلك القوة الصلبة التى تنكسر إنما _تشبيها_ كقوة المطاط .. صلب ولكنه أيضا يمكن أن ينثنى أحيانا ..
وكُلّما ازدادنا رزانة ورجاحة عقل وفى الوقت ذاته سرعة بديهة وإدراك للأمور كُلّما ازدادنا مقدرة على التفكير السليم بصورة تفصيلية وشاملة فى آن واحد .. بنظرة قريبة وأخرى بعيدة فى الوقت ذاته ..
الألم يَصقِلُنا وينحِتُنا تماماً كما يفعل النحّات ولكن الفرق أن ذلك فعله من الخارج بينما الألم فعله من الداخل ،، الألم يغيرنا حتماً ولا نعود بعده ابداً كما كنا ،، والحكمة هنا تكمُن فى نوع التغيير الذى ستصير إليه .. وهذا هو ما يكون فعل عقلك وقلبك ..
فلا تجعل الألم يغيرك ويبدلك وفق هواه ..
وأملك زمام أمرك ..
ثالثا :التعلق بالله
وفى هذا العنوان الكثير مما يمكن أن يقال ..
وسأكتفى باقتباسة رقيقة من كتاب "Reclaim your heart / استرجع قلبك "
" الألم هو علامة لتعلقنا بما هو غير حقيقى ومزيف ،وبما هو مصدر للحزن والمعاناة ،وكل ما نتعلق به من أمور قد تتحول فى نهاية المطاف إلى عوائق تعترض طريقنا إلى الله عز وجل . إلا أن الألم بحد ذاته إشارة ندرك من خلالها بطلان ما تعلقنا به من دون الله عز وجل . الألم يوجد حالة فى حياتنا نسعى إلى تغييرها وبالتالى إذا كان هناك أى شئ له صلة بحالتنا لا يعجبنا وأردنا القيام بتغييره فهنالك معادلة إلهية للقيام بذلك فى قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) "
رابعاً :الغاية
دائماً ما يكون الأمل أو الغاية التى نسعى إليها هى المحرك الأساسى والدافع الحقيقى لنا .. وهى التى تعينا على تحمل متاعب الطريق وصعابه من أجل النجاح فى الوصول لهذه الغاية .. وتخفف وتهون كثيرا من وطأة الألم على نفوسنا ..
فخلاصة كلامى هذا أن ما تقدر عليه أنت وتتحمل ألمه قد لا يقدر عليه غيرك ،، وما لا تطيق به نفسك وتجزع منه قد يصطبر عليه غيرك .. وأن صبرك وتحملك للألم لا يمكن أن يدوم للأبد فأحياناً نضعف ونسقط .. وأن جزعك كذلك لا يجب أن يدوم بل عليه أن يتبدل صبراً وصموداً ..
فلنترفق بأنفسنا حين نضعف ونسقط ولا نكلف أنفسنا فوق طاقتها فليس المهم هو ألا نسقط ولكن المهم أن ننهض من جديد وقوفاً إذا سقطنا .. ونجاهد حتى يشتد عودنا ليصمد ويتحمل ..ولكن لا بأس من بعض المرونة حتى لا ينكسر هذا العود تماماً ..
ولنترفق بغيرنا ونلتمس له الأعذار حين لا يقوى على تحمّل ألماً ما ولنشُدّ من أزره ونكوناً عوناً له .. ونقوّى بعضنا بعضاً ونداوى جروحنا ،ونكفكف دموعنا ،ونفكر فى مخرج لنا من آلامنا ،ونؤمن بربنا ونثق بقدراتنا ،ونُقدِمُ من جديد ..
فالطريق دائماً مفتوح أمامك .. ولن ينتهى إلّا بإنتهائك ..