بقلم "هبة الدعوشى" :
فى زمن الحرب لا تسأل كثيراً ..
فى زمن الحرب لا تفكر كثيراً ..
فى زمن الحرب فقط تتألم كثيرا !! .. كثيراً !! ..
ورغم هذا إلّا إنك أيضاً لم تعد تبكى كثيراً ..
فى الحرب تجف الدموع رغم جريانها .. ينحبس الصوت رغم صراخه ..
فى الحرب يشوه كل شىء .. ملموساً كان أم محسوساً ..
يُشوَه الوطن ... يُشوَه المواطن .. يُشوه الهواء ..تُشوَه السماء .. يُشوَه الزرع والطير ..
تُشوه العلاقات الإنسانية ..تُشوه المبادئ ويهتز الإيمان .. فتضيع سمة الإنسان .. !!
فى الحرب يٌشوه الحب .. ولن أقول يموت .. لأن الحب ابداً لم يمت يوماً ولن يموت مادمت الحياة .. فهذه فطرة الله لنا ..
ولكن أقول يُشوه .. أى أن سيكون موجوداً ولكن بصورة أخرى مضطربة .. صورةٌ تحب حيناً وتكره حيناً .. تهدهد حيناً وتضرب حيناً أخرى .. تبنى حيناً وتهدم أحايين كثيرة ..
يختلط الحب بمعان أخرى _بتغليب طباع الحرب_ ما إن تتداخل معه حتى تهدمه .. كالأنانية .. الشك .. فقدان الثقة ..الخيانة .. العجز عن حمابة من تحب وعدم الشعور بالأمان ..
فحينها تجد الحب ينكمش على نفسه وينزوى حتى يهيأ لنا أنه ماعاد له وجود ..
ولكن هناك بالطبع الحالات المثالية التى يكون الحب فيها قويا شديداً لم تغير سماته الحرب بعد .. هذا أيضا ليس بالأفضل على الإطلاق من الحالة السابقة !..
لأن هنا يكمن أشد مواطن الألم .. فبقدر الحب بقدر ما يكون الألم إذا ما حلت مصيبة ما بمن نحب ..
تفعل الحرب فينا فعلها ولا نملك أن نقول لها لا .. !!
لأنها فعل وما يحدث فينا هو رد الفعل الذى لا يمكن ابداً أن تمنعه .. فهو قانون الطبيعة فينا !!
فى زمن الحرب .. لن يعد الهواء يعبق برائحة المطر كما كان .. وإنما ستنوب عنه رائحة الدم القانى ودخان الحرائق وغبار الهدم ..
فى زمن الحرب .. رغم فرارك من الموت ومحاولاتك للبقاء .. إلّا أنك ستتمنى فى كل لحظة أن لو أنك مِت من أول لحظة ولم تشهد كل هذا ...
ستتجاهل الأمر أحياناً محاولاً أن تعيش يومك هذا قبل حلول موتك غداً .. محاولاً أن تتمسك بالشمس قبل غيابها خلف مستقبل ضبابى .. إلا أنك فى الوقت ذاته ستكون مدركاً للواقع تماماً حتى ولو بينك وبين نفسك ..
فى زمن النزاع هذا ..كما تتنازع الأفكار وتتفكك الأحزاب فى المجتمع .. كذلك تتنازع روحك وعقلك .. وتتشت وتختلف على نفسك .. وتنقسم بداخلك وأنت واحد .. حتى لم تعد تعرف أيهم أنت ..
فى هذا الزمن مزيج غريب من الخوف والحزن معاً كـ سُم الثعبان يتسرب إلى داخلك رويداً رويداً يجرى مجرى الدم ورغم هدأة سيره وانسيابه إلّا أن يفتك بكل ما يمر به كوحشٍ كاسر لا يدع شيئاً .. ولا يظهر أثره فينا إلا مع مرور الوقت ..
فحاذر يا من تعيش هذا الزمن الآن ..زمن النزاع ..
حاذر طول الأمل .. حاذر الأوهام .. و حاذر فى الوقت ذاته سم الثعبان ..
حاذر أن تعيش نفسك كما لو أنها فى زمن الحرب وهى لم تتحدث بعد ..
أو تعيش كما لو أنها فى زمن الاستقرار والرخاء وهى بعيدة كل البعد عن ذاك ..
فكن عادلا ما استطعت فى نظرتك .. واحفظ شعورك ما بين الإفراط و التفريط ..
وليكن الله بنا رحيماً فى أى زمن نكون ..!