أقسام المدونة

Friday, 9 November 2018

المنتصف





بقلم "هبة الدعوشى" :

وفى كل يوم يقول لنفسه ها أنا قد أوشكت على التعافى .. على أن أعود كما كنت .. أن أسترد نفسي مجدداً.. أن أكمل الطريق الذى بدأته .. أن أساعد نفسى وأدعمها .. أن .. أن ..أن ..
يقول هذا بعد تيه طويل .. وصراع عظيم كان عالقاً فيه لا يستطيع منه خروجاً ..
لكن سرعان ما ينتكس .. تنطفئ الشعلة الصغيرة التى فى داخله والتى جاهد كثيرا لكى يشعلهاا ..
ويعود كما كان .. يعود إلى المنتصف .. المنتصف المُميت الذى يصطدم المرء فيه مع نفسه فقط .. ويكون على مسافة متساوية من الجميع .. ليس بالقريب ولا البعيد .. وغير قادر على أن يحدد له وجهة واضحة .. ولم يصل بعد لنهاية أى طريق .. يتراوح مابين استسلام اليأس وتسليم الرضا..
ولكن يرغمه الأجل وحده على المواصلة والاستمرار ..فينهض من جديد ويحاول ان يسير بقدمين مكبلتين .. وخطى بطيئة نحو غايته التى يجاهد فى أن يكتشفها مرة أخرى بعد أن أصبح الضباب يشوبها أحياناً وتغطيها غيوم الغيب أحياناً أخرى ..
وطوال رحلته هذه يشعر بأنه يرى العالم من خلال لوحٍ زجاجى .. يشاهد فقط ولا يقدر على الاندماج ..
يبتسم ويعبس بلا انفعال حقيقى داخله ..
يبحث _بوعىٍ أو لا وعىٍ منه _عن أحدٍ حوله عله يساعده على التجاوز .. أو يصحبه فى الطريق ..
يبحث عن عقلٍ يفهمه ويدٍ تتشبث بيده وقلبٍ يحوطه ..
قد يجد وقد لا يجد .. ولكن يظل يعافر ويحاول رغم إنهاكه .. واستهلاكه .. و طاقته التى أوشكت على النفاذ ..
إلا أنه لازال يوقن بأن قشة المحاولة هذه .. قد تنقذ نفسه الغريقة ..
ولازال يؤمن أن هناك ربٌ يراه فى أعالى السماء ..
وأن يوماً ما سوف تنتهى تلك المهزلة ..
وذلك عزاءه الوحيد ..