أقسام المدونة

Friday, 29 June 2018

الاختيار




بقلم : "هبة الدعوشى"
هل يختار المرء حقا فى حياته .. أم يفرض عليه خيارٌ بعينه ؟
وهل يمكنه تجنب الأختيار الخاطىء ؟
وكيف يمكن أن يحكم على صحة هذا الخيار من عدمه ؟
هل الاختيار يعتمد على ظاهر الأمور أم باطنها .. ام كلاهما معا ؟
كل هذه وأكثر أسئلة تدور فى أذهاننا كلما تفكرنا مع أنفسنا قليلا حول أختيارتنا فى الحياة ..
دعونا نعود معاً للوراء قليلاً فى حياتنا ..

**قبل أن تولد
أنت لم تختر جنسك ولا لونك ولا لغتك ولا أبيك ولا أمك
حتى اسمك .. لم تختره أنت لنفسك ..
وهذا هو بداية اختيار الله لك .. وتسخير القدر لنا فى حياتنا
بدأنا بكلمة من الله كن فيكون .. لأننا عباد لله خُلقنا من عدم .. ولا يمًكن للعدم أن يسأل الله عن اختيارات بعينها .. لأنه كيف يمكنه ذلك وهو عدم ؟؟!
لكن بعد أن نصير بشراً لنا وجود وكيان فى هذه الدنيا تبدأ حياتنا ما بين أقدراً كتبت علينا وما بين فرص واختيارات يمنحها الله لنا..

**عندما نصبح أطفال
 يكون لأبويك حق الاختيار التام نيابة عنك لأن لا زالت محدوداً فى قدراتك  العقلية والجسدية ...
أما بعد ذلك تدريجياً تبدأ مساحتك فى الإدراك والحركة تزداد شيئاً فشيئاً .. وعلى الأهل أن يدركوا هذا .. وأن يساعدوا أبنائهم على النضج والنمو .. وأن يُخيّروهم وفى أبسط أمورهم التى تناسب سنهم وعقلهم ..
فمثلا يسألونهم :
أى ألاوان تحب ؟؟ أى الأطباق تريد أن تأكل فيها ؟؟
أى عصير تريد ؟؟ أى كرتون تفضل مشاهدته ؟؟ أى لعبة ترغب فيها ؟؟
أى لبس تريد أن ترتديه ؟؟ .. أى الرياضات تحب ممارستها ؟؟ .. وهكذا

أن يُخيّروهم فى حدود المتاح لهم .. وأن يشاركوهم فى اختياراتهم .. ثم بعد ذلك يحترموا قراراتهم واختياراتهم ..
ولكن لابد أيضاً أن يعلموا أولادهم أمرين هامين
أولا : أن الحياة مليــــئة بخيارات أخرى غير تلك التى اختاروا من بينها .. ولكن ظروف حياتنا سمحت لنا فقط بكم محدود منها .. وأنه يوماً ما قد تتعرض لأمورٍ مختلفة عن هذه .. قد تكون خطأ أو صواب وقد تكون أمر نسبى _ليس بالصواب والخطأ ولكن يعتمد نسبة لكل شخص أو ظرف _
أى أن ليست كل أمور الحياة أبيض أو أسود .. فهناك ألوان كثيـــرة جدااا فيما بينهما ..
ثانياً : أن عليهم أن يعرفوا أبعاد هذا الاختيار مميزاته وعيوبه .. وأن عليهم أن يتعاملوا مع هذا الأمر ويدركوه .. وأن يتحملوا مسؤلية قرارهم واختيارهم ..

** ثم بعد دخولنا المدرسة وحتى الجامعة .. يظهر أمر جديد فى حياتنا .. وهو "الأصدقاء"
كيف يمكن أن أختار صديق وماهى ابعاد هذه العلاقة الجديدة ..؟!
رغم كونها علاقة بسيطة نوعاً معا _أو هكذا يجب أن تكون _ إلا إن هذا الأمر أيضاً لا يمكنهم إدراكه من أنفسهم ويجب مساعدة الأهل والمدرسين لهم .. فالصديق هو كالأخ/الأخت تماماً ولكن من أم وأب مختلفين ..له حقوق وعليه واجبات لابد أن يؤديها كل واحد منهما لتكتمل صداقتهم وتستمر .. أشخاصٌ كثيرون جمعك بهم القدر فى مكان واحد .. ولكن القدر يمنحك فرصة الاختيار من بين هؤلاء الكثيرين .. تختار الذى  ترتاح له أكثر .. تستمتع بوقتك معه أكثر .. يساعدك وتساعده .. يقويك وتقويه .. تأخذ منه وتعطيه .. وتدفعان بعضكما للأمام ..
وهكذا تشعر بأنك قد نجحت فى اختيار صديقك ..إلا إنك قد لا تصيب فى اختيارك هذا فتتعرض لأصدقاء سوء .. ولا تعرف هذا إلا مع مرور الوقت بينكما ..
بالاختيار والتجربة تتكون خبراتنا ما بين الصواب والخطأ والنسبى !
أهم ما فى الأمر أن يكون لديك القابلية والطواعية للتغير وقبول الاختلاف وعدم معاداته ورفضه فقط لكونه غريبا عنك ..
بذلك تستطبع أن تعرف كم أكبر من الأشخاص والطبائع بصدر رحب وتلقى صدمات أقل فى معرفتك للبشر .. لأنك لم تضع لنظرتك للحياة إطاراً محدداً من خشب يُكسر بأبسط تغيير ..
وإنما لديك قواعد وأسس ثابتة من الفهم الصحيح للدين والأخلاق .. ثم بعد ذلك إطاراً من المطاط اللّين الغير محدد ..الذى يقبل الخيارات المختلفة ويسعها جميعا ثم يأخذ منها  بعد ذلك ما يناسبه ..

**بعد ذلك اختيارك لجامعتك والمجال الذى تريد أن تكمل فيه دراستك وعملك مستقبلا ..
أولاً دعونا نتفق أن الاختيار لهذا الأمر كثيراً ما يكون مرتبطا بنظرة الأهل ورغباتهم وطموحهم فيك  .. ونظرة المجتمع وظروفه .. وفرص العمل .. خاصة فى بلدنا مصر ..
ولا يمكنا أن نغض الطرف عن كل هذا ..
ولكن علينا ألا ننسى فى غمرة انشغالنا بهذه الأمور ماذا نريد نحن من داخلنا .. فى ماذا نرغب حقاً .. وماذا نريد أن نحقق لأنفسنا وحياتنا .. وما الذى يمكننا تحمل مسؤليته والتفوق فيه ؟!
فهكذا تستطيع أن توازن بين الخيارات المتاحة لك .. وتختار الأنسب دون أن تظلم نفسك أو تتجاهل رغباتها .. أو تتجاهل الظروف من حولك ..
ثم تبدأ فى السعى فى طريقك هذا .. بالدراسة والعمل .. وتوحد جهودك كلها لتثبت ذاتك وتنجح فى هذا المجال الذى اخترته لنفسك ..

**نأتى بعذلك للطامة الكبرى .. " الاختيار فى الزواج"
ما مر ذكره كله فى كفة .. وهذا الأمر فى كفةٍ أخرى
الزواج هو النصف الأخر من حياتنا .. هو الوجه الآخر من العملة التى لا تكتمل دونه
شخص جديد نشاركه حياتنا بكل تفاصيلها.. نصبح واحداً بعد أن كنا اثنين .. نحلم معه بمستقبلنا سوياً 
ونوثق رابطتنا هذه بأبنائنا .. حلقة الوصل التى تظل دائماً بيننا مهما صار .. مهما تباعدنا أو تقاربنا ..مهما اتفقنا أو اختلفنا ..
وهولاء الأبناء هم ثمارنا التى نجنيها مما زرعناه .. ومما قدمناه فى حياتنا 
وبالتالى فإن اختيارنا لشريك حياتنا .. والذى نعطيه كل هذه المساحة فى خصوصياتنا وأمورنا .. ونعيش معه تحت سقف بيت واحد ..فى غرفة واحدة .. بل وسرير واحد .. ليس بالأمر الهّين ..
فكيف يمكن لنا أن نختار .. وكيف يمكن أن نحكم إذا ما كنا على صواب أم لا  .. وماذا يمكن أن يحدث إذا قمنا باختيار خاطئ ؟؟!

أولاً : الاختيار يجب أن يكون على مهل دون أى تسرع أو اندفاع بشعور لحظى أو انفعال نفسى سرعان ما يتحول .. او نتيجة ضغوط من المجتمع أو الأهل و تقاليدهم وعاداتهم .. فكثيراً ما يكون هذا هو السبب الأساسى لكثير من الزيجات الفاشلة والتى نحاول بعد ذلك إقناع أنفسنا بأن هذا هو الاختيار السليم الذى أراده الله لنا .. لنتعايش فقط مع الأمر ليس أكثر 
مع العلم أننا لو حاولنا بكل جهدنا ألا ننساق وراء آراء الأخرين او نندفع فى قرارتنا تحت أى ظرف فإننا إما سنجد الشخص المناسب لنا يوماً ما .. بعد فترة طويلة أو قصيرة .. وإما أننا سنكون أختارنا الوحدة براحة وهدوء نفسى بدلاً من إهانة أنفسنا ومشاعرنا مع الشخص الخاطئ طوال العمر ..

ثانيا: يجب أن نعطى لأنفسنا الفرصة لنفكر مرة واثنين وألف .. نفكر ونحن معاً ..وهذا هو أهم ما فى فترة "الخطوبة"  أن نمر بالكثير من التجارب سوياً ..أن ندخل فى بعض الخلافات ونرى تعامل كل منا وقت الأزمات والضغوط والغضب والانفعال  ..أن نحكم عقلنا وقلبنا كلٍ على حدة .. بمعنى ان نترك الزمام لمشاعرنا فترة دون قيد من العقل لنرى إذا كانت متقبلة ومنسجمة ومحبة لهذا الشخص حقا أم لا .. ثم بعد ذلك نوجه الدفة إلى عقلنا لنحكم على الشخص وطباعه وصفاته وظروف حياته .. ونفرق بين ما هو طابع أصيل فى شخصه لا يتغير وبين ما هى ظروف خارجية مؤقتة يمكن أن تتغير يوماً ما .. ونقرر ما إذا كنا قادرين على تحمل هذا أم لا .. إذا كنا على استعداد لتحمل تلك المسؤلية واعبائها أم لازالنا غير قادرين على ذلك ..

فالاختيار الخاطئ غالبا ما يكون إما معتمد فقط على قبول ظاهرى .. اجتماعى أو علمى أو مادى .. دون أدنى شعور حسى تجاه هذا الشخص أو معرفة حقيقية لطباعه وسلوكياته ونمط حياته  ..
وإما معتمد على اندفاع عاطفى بحت دون وضع أى اعتبار لطباع الشخص وعاداته وتربيته وأخلاقه وظروفه وعلمه وعمله ورغباته وأهدافه  ..
فكلاهما خاطئ .. كلاهما يؤدى إلى الكثير والكثير من الخلافات .. حتى وإن استمر الزواج ظاهرياً .. إلا أنه داخلياً مهترئ وممزق .. لا يلتئم لهم شمل .. ولا يجتمع لهم شتات ..

ثالثاً : ماذا إذا كنا وقعنا ضحية هذا الاختيار الخاطئ ..ماذا بعد أن تزوجنا بدأنا ندرك أكثر ونشعر بأننا تسرعنا أو اخطأنا الاختيار .. أو أننا فى علاقة لم نعد راغبين فيها .. أو أننا مع الشخص الغير مناسب لنا ..
ماذا يمكن حينها أن نفعل .. هل نستسلم لهذا الشعور ؟!!
بالتأكيد ستكون الإجابة لااا .. لا يجب أن نستسلم إطلاقاً .. 
وإلاّ كيف يمكن ان تكون حياة هكذا ؟؟

علينا أن نحاول مرة واثنين وثلاثة ومليون .. نحاول أن نتفهم بعضنا وظروفنا .. أن نتعامل .. وأن نتجاوز .. أن نتقبل أشياء .. ونغير أشياء أخرى ..
واالمحاولة هذه يجب أن تكون مُستميتة إذا رزقنا الله بأطفال ..
ولكن إن استحال العيش بينهما .. وانعدم التفاهم والقبول للاخر .. " فإمساك بمعروف أو تسريحٌ بإحسان " 

وأخيراً .. اتقوا الله فى حياتكم واسألوه الخيرة ليكم .. يكن عوناً لكم فى اختيارتكم
واعلموا أنما نحن نختار فيما هو مقدرٌ لنا .. "رُفعت الأقلام "
 فاسكنوا واطمئنوا واهدؤا .. واتركوا زمام اموركم لخالقكم ..
وتيقنوا إنه إن رأى الله منكم الصدق والسعى الجاد والتمسك بأمرٍ ما ..فلن يخذلكم الله ابداً ..
فادعوه كثيرا .. فالدعاء وحده هو الذى يصارع القدر ..
وخذوا بالأسباب وتفكروا وتخيروا واستشيروا .. 
ولكن أولاً وأخيرا توكلوا .. توكلوا على الذى خلقكم من عدم .. فهو بكم أعلم  .. 

Saturday, 16 June 2018

الكتابة







بقلم :هبة الدعوشى

منذ فترة طويلة وانا لم أكتب
قرابة السنة .. لم أكمل مقالة كاملة
كتبت مقتطفات وخواطر كثيرة فى سطور معدودة لكن لم أستطع أن أزيد ..
كنت احتاج هذه الفترة .. لإعادة ترتيب أفكارى .. واستجماع شعورى .. ورؤية أهداف واضحة
وأيضاً انشغالى بدراستى أطال هذه الفترة نوعاً ما ..

فى هذه المقالة سأتحدث عن هذا الموضوع الذى أرقنى طوال هذه الفترة
ألا وهو الكتابة !!
لم أكن أتصور حجم الشعور والاضطراب الفكرى والنفسى الذى قد يعيش فيه الكتاب والأدباء ليخرجوا لنا كل هذا الكم من الكتب والمقالات والروايات والأفكار
لم أكن أُقدّر حجم المعاناة والعزلة التى قد يعايشونها من أجل كتابة صفحات معدودة ..
لكنى اصبحت أعانى هذه الأمور عندما بدأت بالكتابة .. عندما شعرت بالحاجة المُلِحّة والضرورية فى داخلى لأن أكتب .. أن أقول افكارى التى تجول بخاطرى .. 
أما فى تلك الفترة التى توقفت فيها عن كتابة شئ جديد .. لم أكن خالية الأفكار على الأطلاق بل على العكس كان الأمر أكثر احتداما وتداخلا بين كل افكارى وخواطرى لدرجةٍ لم أستطع عندها الفصل بين كل هذه الأفكار وتوجيها نحو موضوع واحد .. فقررت ان أعطى نفسى هدنةً .. وأن أترك الوقت يلعب دور البطولة وأن يعيد هو ترتيب افكارى.. و وليت الأيام  وأحداثها زمام عقلى تسوقه بهوادة حيثما تشاء ..
حتى إذا ما أخذت عاصفة أفكارى فى الهدوء قليلا وحلت رياح خفيفة ونسمات لطيفة من الخواطر بدلاً منها .. توجهت فورى للكتابة على القدر الذى أستطيعه ..
الكتابة فعل صعب .. وأمر جلل بحق ..ولكنه خارج عن إرادتك فى الوقت ذاته .. تجد سيلا من الأافكار متدفقا فى رأسك بلا انقطاع .. تحاول إخراجه .. وتسعى لإيصاله لمن حولك ..تسعى لأن تصرخ فى الناس قائلا اسمعوا تلك الافكار .. افهموا هذه الأمور .. كفوا عن هذا وذاك ..أيقظوا بداخلكم الشعور .. !

أدركت أن جميعنا نستطيع الكتابة .. ولكل منا أسلوبه الخاص .. لكن بالطبع ليس جميعنا كتاب _ أو هواة كتابة _ ناجحون ..
الكتابة بألاساس هى ملكة فيك يمنحها الله لبعض من خلقه  .. الوقود الذى يحركهم لهذا الفعل مشتعل دائما ولا ينطفئ .. ولكنك قد تُحسّن وتًجود هذه الملكة وتلك القدرة لديك بالقراءة المستمرة .. بمحاولات الكتابة الكثيرة .. بأخذ خبرات وتوجيهات من كتاب آخرين .. أو تَلقّى ورش تدريبية خاصة للكتابة .. وأهم من كل  ذلك أن تؤمن بنفسك وبقدرتك على الكتابة .. وأن تعود كلما ابتعدت .. ان تكمل كلما توقفت .. وان تصحح كلما اخطأت .. وأن تنهض كلما تعثرت ..

عندما تتجلى حضرة الكتابة تجد نفسك منهمكٌ فيها .. لا تدرى وقتا ولا زمنا .. ولا تسمع صوتا ولا همسا .. ولا تعطى تركيزك لأحدٍ .. لا شئ امامك سوى حروفك وأفكارك .. لا شئ سوى زادك فى رحلتك للكتابة !

لكم اشتقت حقاً للكتابة .. شوق التائه لطريقه الذى ضل عنه !!

**أريد من كل من يقرأ هذه المقالة وكل أصدقائى .. أن يشاركونى .. ويقترح كل منهم موضوع يرغب منى أن أكتب فيه وأتحدث عنه فى المقالة القادمة ..