أقسام المدونة

Thursday, 12 May 2016

على مقعدٍ خالٍ


بقلم "هبة الدعوشى" :

وحين يتصادف لقائى بأحد هذه المقاعد الخالية ، ويأذن الوقت لى بالجلوس عليه قليلاً ..
فى بادئ الأمر قد أنشغل بما فى يدى ، أو التقط بعض أنفاسى إن كنت متعبة ، أو اقرأ فى كتابٍ أحمله معى .. أو أُنهى حديثاً مع أحدهم ..
ثم رويداً رويداً .. ابدأ بالانسحاب من هذا العالم ..
وأشرع فى الإبحار فى أفكارى .. أفكارى تلك التى إن دخل أحدٌ إليها لا يستطيع ابداً الرجوع منها ..
فهى كدوامةٍ تسحب وتسحب ولا فكاك منها أو خلاص ..
ومن أولى الأفكار التى تأتينى تقريباً كمقدمة فى كل مرة ، أستهل بها باقى الأفكار ، هى :
" تُرى من مرّ قبلى على هذا المقعد وجلس عليه ، ومن سيأتى بعدى ، وفيما كانوا يتحدثون أو يفكرون ، وفيما سوف يكون ، وتُرى كيف كان حال هذا المقعد منذ سنين بل منذ قرون هل كان موجودٌ هكذا ،وإن لم يكن .. فماذا كان هناك بدلاًَ منه ؟! ... "
وأظل هكذا أتنقل فى أفكارى مابين الحاضر والماضى والمستقبل .. وأغوص ، بل أغرق فى فكرة الزمن والوقت والبداية والنهاية وماذا صار ؟ وماذا سيصير؟
ثم أنظر إلى حالى متأملة .. متسألة .. ها أنا الآن موجودة _كما يعتقد عقلى_ .. ولكن ماذا بعد ؟! ماذا سيكون حال أمرى .. هل هو الموت أم العدم ؟
وأرى أحدكم يتعجب قائلاً.. وهل هناك فرق !

طبعاً بلا شك فرقٌ شاسع ..
فالعدم واضح المعنى إلى حدٍ كبير..

عدمية الشئ تعنى أنه ليس بكائن على الإطلاق ،تعنى إنه ماكان يوماً ولا سيكون 
أنه لا ثواب ولا عقاب .. وكأن ما عشته من عمرٍبأكمله ضاع هباءً ..
،وأن ما فعله ذات يوم سيختفى ولا يبقى منه حتى أثر ..  
وأنك حتى ستُمحى من ذاكرة الآخرين ..
كما يقول درويش " تُنسى كأنك لم تكن .. خبراً ولا أثراً وتُنسى "
لكم هو مرعب هذا التصور !!

أما بالنسبة للموت .. فهو معنى آخر، يملأه الغموض ،ويكتنفه الغيب..
بالرغم ما جاء لنا من ذكره فى ديننا ،إما بقول الله عزوجل ،وإما ما أخبر به الحبيب صلى الله عليه وسلم .. 
سيظل الموت باباً يفضى إلى طريقٍ سمعت عنه ، لكنك ابداً ما سمعت منه ..
طريقٍ لا يمكن لك أن تنهل من خبرات السابقين فيه .. بل على كلٍ منا أن يخوض التجربة بمفرده حتماً ولا فرار .. وأن يختبره وحده ..
طريقٍ لا رفيق فيه ولا حبيب ..
ولا يعينك فيه سوى زادك الذى تحمله .. وعملك الذى كنت تعمله ..
طريقٍ نهايته الخلود .. والخلود إما نعيم وإما جحيم ..
ولكم عجيب أن تجتمع الكلمتين معاً "نهاية" و "خلود" .. كيف يكون هذا ؟!
يعجز العقل عن إدراك معنى الخلود لأنه لم يختبره يوماً من قبل ..
فكل شئٍ فى هذه الدنيا قائمٌ على الفناء .. منه وإليه ..
لكم أيضاُ مرعب هذا !!

ولكن طبيعة الرعب تختلف ..
فأما رُعب العدم .. فهو لشعورك بإنك ما كنت يوماً .. وبأن كل الذى تحياه هراء .. فتقول لِمَ أعيش كل هذه الحياة بأفراحها وأتراحها ..بانتصارتها وانكسارتها ..  وانا يوماً سأنعدم .. وانا يوماً لن أكون .. فتنجرف النفس لحالةٍ من اللا شئ .. وشعورٍ باللا شعور .. وتسقط فى هوة من الفراغ لا تدرى لها من قرار .. 
وأما رُعب الموت .. فهو رعب يصحبه الأمل ويتحكم به الباعث .. أمل يشوبه الإشفاق فى معرفة ما هذا الموت وسكراته وماذا بعد الموت من الحشر ويوم القيامة وأهواله .. وكيف سيكون معنى ذلك الخلود .. وفيمَ سنخلّد ؟ .. فى الوعد أم الوعيد ؟ ..
أما الباعث_ أى الدافع الذى كان وراء كل عمل وقول قمت به_ فاعلم إنه هو زادك الوحيد وإنه وحده الذى سينجيك إن كان صالحاً ..متجرداً .. مؤمناً وتقياً ..
أو يهلكك والعياذ بالله إن كان فاسداً ..

أما الأمر الذى لا زالت أفكر فيه .. هو كيف سيكون الأمر إن حدث الاثنين معاً ..  
الموت والعدم ؟!
 يا للأسف إن نحن متنا وفى ذات الوقت انعدمنا!

لكن حين أتطلع فى أمم السابقين .. والقرون الغابرة ..
أتيقن بأنه وحده الذى صنع شيئاً.. وحده الذى ترك بصمته .. لم ولن ينعدم .

الآن أوقن يا رفاق .. بأن الموت حتمى .. 
ولكن العدم اختيار ..!



No comments:

Post a Comment