أقسام المدونة

Saturday, 23 April 2016

وللحب مفهومٌ آخر





بقلم "هبة الدعوشى" :

اعلم أن الصور بما تحمله من أجمل المعانى وأعمقها .. كافية جداً .. ولا حاجة إلى كلامٍ يُكتب عنها !
ولكن حاجتى للكتابة هنا ابداً ليست لوصف ما فيها .. أو ما استشعره داخلى تجاهها ..
فالكلام هنا يعجز تماماً عن الوصف ويقف القلم دون غايته ..
ويلازمنى الصمت .. الصمت المفعم بالشعور .. والذى يكون فى هذه الأوقات أبلغ من الكلام  وسحر البيان .. !

وإنما حاجتى هى محاولة إخراج أفكارى على الورق .. وإنه لحقاً مجهودٌ بالغ !
وأيضاً هى محاولة البحث فى ما وراء هذه الروابط والعلاقات من دوافع .. ومن أسرار ..

أفكر فى أن أحدكم سيتسائل قائلاً : " ما الذى يمكن أن يكون فى هذه العلاقات من اختلاف أو أسرار .. أليست مثلها كباقى علاقات الحب العادية ؟! "

وأجيبه : بلى قد تكون كذلك فى ظاهرها .. ولكن فى كامنها تحمل ما يفوق ذلك بكثير ..

إن علاقات الحب التى تنشأ بين شابٍ وفتاةٍ فى ريعان شبابهما .. بالطبع جميلة .. ولكنها  فطرتنا التى خُلقنا بها .. تنشأ تبعاً للشعور الغريزى .. والاحتياج العاطفى فى مثل هذه السن ..
نعم ، قد يزيد الأمر عن هذا إذا كان هناك توافق روحى وفكرى ما بين الطرفين .. ويُضاعفُ الحُبَ حُـبـين وأكثر ..
ولكنه سيظل أولاً وآخراً .. ليس بالشئ الجديد المميز لهذا العمر ..

أما هنا .. فى تلك الصور .. حين نتجاوز أعمار الشباب والكهولة .. ويتسلل بنا الزمن إلى شيخوختنا ..
ويضوى جسدنا ويَضعُف .. ويثقلنا هم الحياة ..
ويتباعد ذوينا وأقاربنا .. فى الزمان النائى والأماكن القصية  
أومنهم من يسبقـنا إلى الدار الآخرة ..
أو يستقل أبنائنا بحياتهم .. وينشغلون فى زحام الدنيا ..
ونجد ستار الوحدة ينسدلُ علينا رويداً رويداً .. 
ويتراءى لنا شبح المرض والعجز ..
ويكتنفنا ظلام الحزن من كل جانب ..
يكون للحُبِ هنا مفهومٌ آخر .. يكون قبس النور الذى يومض من جديد فيبدد الظلام الذى يكتنفنا  .. أو يكون كـ مدد الزيت لسراجٍ أوشكت ذُبالته على الإنطفاء ..

يكون للحب هنا حقاً المعنى القرآنى الجميل وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "

تأملوا الآية .. وتأملوا مدى عمق "من أنفسكم " .. " لتسكنوا إليها" .. "مودة ورحمة" !
فلعلنا نكون من " قومٍ يتفكرون" .. !

بالطبع هذه الآية على الأزواج أن يتخذوها نهجاُ لهم طوال فترة حياتهم منذ أن يجمعهم الله .. إلى أجل مسمى ..
حتى لا يعتقد أحدٌ _خطأً_ أنى أجعلها حِكْراً على فترة الشيخوخة .. ولكن ما قصدته أنها تتجلى كثيراً فى هذه السن ..

فالمودة والرحمة هنا هو عطف قلوبهم على بعضهم البعض .. هومساندة بعضهم البعض برغم ضعف أجسادهم .. هو مدواة بعضهم البعض فى المرض .. ومضاحكة بعضهم البعض فى الصحة ..

الحب هنا .. هو أنه لايزال يرآها أجمل النساء ..وضحكتها بالنسبة له شروق الحياة .. برغم ملامح العجز التى تعلو وجهها .. 
وهى تظل ترى فيه سندها وعونها الذى تتكئ عليه وهى تؤمن بقوته .. رغم الوهن الذى أصابه ..
ذلك لأن كلاً منهما لا يرى الآخر إلا بعين قلبه .. وكلاً منهما قادر على سبر أغوار محبوبه ..
فينكشف له من جوهر الروح وجمالها ما قد يكون محجوباً عن أعين الناس ..




فمن الآن فصاعدا ..
أوصيكم كلما وجدتم جمالٌ كهذا .. فتأملوه .. 
تأملوه وأنتم صامتين .. فالصمت هنا أبلغ من الكلام .. والكلام عاجزٌ جداً وجداً..
فها أنا كتبت .. ولكنى مع كل حرفٍ كنت أزيده .. يزيد شعورى بالعجز عن التعبير .. !
وها أنا وصفت .. لكنه غيض من فيض .. وما أنصفت .. !

وختاماً أدعو الله أن يَمُنّ على جميع الأزواج بالمودة والرحمة ..وأن يجعل كلاً منهما سكناً للآخر..
ويبارك لهما دائماً ابداً ويجمعها على خيرٍ فى الدنيا والآخرة .. 



No comments:

Post a Comment