أقسام المدونة

Friday, 29 April 2016

كما لو كان مصرياً


أعلم بأن حادثة مقتل الطالب الإيطالى "جوليو ريجيني" قد تناولها الكثير بتعليقاتهم وآرائهم  .. وبأن أى كلام يمكننى قوله قد يكون مكرراً ومعاداً ولا جديد فيه ..
ولكن هذا لا يهم .. وليس بالأمر الذى يعنينى .. فإنما أنا أقول وأكتب لا لشئ سوى محاولة إخراج ما داخلى من ألم وكمد على الورق .. الألم الذى ضَعُفت على مواجهته وحاولت تجنب التعليق على الأمر واكتفيت بمتابعة الحدث فى صمت طوال هذه المدة_منذ مقتله حتى الآن_ ..

ولا أعلم إذا كان سيُسعفنى القلم فى هذا أم أنه سيقف دون غايته ..
ولكنى عبثاً سأحاول ..!

أولاً: بالنسبة لحادثة مقتله وحيثياتها ليست بالجديد خاصةً فى وقتنا هذا .. فقد تكرر هذا الامر كثيراً فى الدول المضطربة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إما بسبب تنظيمات متطرفة .. أو حكومات متطرفة .. أو كلاهما معاً .. فكلاهما سبب ونتيجة للآخر ..
واقرب مثال على هذا حادثة مقتل الصحفى "جيمس فولى " فى سوريا منذ عامين تقريباً ..
ولكن الاختلاف هنا هوأن "ريجينى" لم يكن صحفياً ولا مراسلاً ولا غيره _فأغلب الصحيفين والمراسلين فى أوقاتٍ كهذه يكونون مطاردين لأنهم يحاولون عرض الصورة وكشف الحقيقة على الملأ _ .. ولكنه كما قالت والدته كان طالباً فى جامعة كامبردج وجاء إلى مصر لدراساته البحثية عن الاقتصاد المصرى_وأعتقد أن هذا لا يروق أيضاً لحكومتنا _ ..
والاختلاف هنا أيضاً تَهّرُب الحكومة المصرية من توضيح مُلابسات الحادثة _ لأنها تعلم يقيناً أنها لا تملك شيئاً فى جعبتها _
بينما فى حادثة "جيمس" أعلن  تنظيم الدولة مسؤليته عنها _كما أُذيع ونشر على الشاشات_
ولكن الأكثر تأثيراً وأهمية من هذا كله .. هو " والدة ريجينى" التى قررت ألاّ تصمت وأصرت على أن تعرف حقيقة مقتل ابنها وصعدّت الأمر إلى الحد الذى قد يُودى بالعلاقات المصرية الإيطالية ..

ومن هنا أتطرق للنقطة الثانية التى أريد التعليق عليها ..
فأما ثانياً : هو قول "والدة جوليو ريجينى" فى البرلمان الإيطالى .. أنه فى فى حديثها مع أصدقائها المصريين _على حد قولها_ قالوا لها : "أنهم عذبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً"  ...!
يا لوقع هذه الكمة فى نفسى .. يا له من ألم تعجز عن وصفه الكلمات..
فقط الصمت المفعم بغصة فى الحلق.. ووخزة فى الصدر هو الذى أصابنى حين سمعت هذه الجملة.. بل وملأ ذرات جسدى وكيانى كله ..
بالرغم أنى لم اتفاجئ من الكلمة .. إلا أنها كانت كماء النار .. سُكبت على جُرح مفتوح لا يندمل ..
فأجّجت فيه نار الألم ..!
أعلم أن دمائنا نحن المصريين باتت أرخص ما يكون .. وأن كرامتنا مهانة إلى أبعد الحدود .. وبأننا فى أوطاننا غرباء مستوحشون .. 
ولكننا رغم كل هذا نحاول أن نكون .. نحاول أن نتعايش .. وأن نبقى أحياء ما دامت الروح فينا .. وما أصبرك يا روح !
لكن عندما يأتى أحدهم ليذكّرك بهذا الأمر ..وأنت مكبلٌ بالعجز بفعل قبضتهم القمعية الخانقة .. تجد النفس من آلامها ما لا تطيق به .. 
وكثيراً ما أتعجب من هذا .. كيف بالرُغم من شده هذا الألم الذى يطبق على الأنفاس فيثقلها .. وعلى القلب فيبطئ دقاته .. كيف لا نموت .. كيف !!
ولكن لربما نحن بالفعل أموات ولكن موتى دونما كفن .. لربما !!
وتحضرنى هنا مقولة لبنجامين فرانكلين :
بعض الناس يموتون فى الخامسة و العشرين من العمر ، و لا يدفنون إلا عند الخامسة و السبعين"

أعتقد أن هذه الجملة أكثر ما تنطبق هى علينا نحن أبناء هذا الوطن العربى البائس ..!


لا أعلم صدقاً من أرثي ؟!.
هل أرثي موت " ريجينى" .. أم موتانا نحن المصرين فى المعتقلات ..
أم أشباه الأحياء منهم خارج المعتقلات .. 

إنى لا أرثي حقاً موتى كل هذا العالم الحزين ..
بقدر ما أرثي من لا زال منه على قيد الأرض _ولا أقول على قيد الحياة_ ..


ولكنى فى النهاية أقول كلمة محمود درويش:
"بى أمل يأتى ويذهب لكن لن أودعه"


وسيظل يقينى وإيمانى فى الله قوياً _بإذنه سبحانه_
حتى على الأقل إن نحن خسرنا الحياة الدنيا .. لا نخسر الآخرة..
"والآخرة خيرٌ وأبقى"



هذا الرابط لمن يريد سماع كلمة والدة "ريجينى" فى البرلمان الإيطالى..

https://www.youtube.com/watch?v=V-oyFijYl2s




"هبه الدعوشى"

No comments:

Post a Comment