بقلم "هبة الدعوشى" :
“الإنسان الذي يعرض أفكاره ، يمكنني أن أقول له برضا كبير : لا تهمني أفكارك وقناعاتك المذكورة ، ولا نظرتك للعالم ولا كيف تسمي كل ذلك .. الشيء الوحيد المهم بالنسبة لي والشيء المهم فعلاً هو كيف أنت ، هل أنت إنسان جيد أم سيء ؟ في الحقيقة أن كل قصصك وكل تصرفاتك هي مهمة فقط بقدر ما تساعدني على إجابة السؤال عنك : من تكون ؟”
بهذه الاقتباسة للعظيم على عزت بيجوفتش _طيب الله ثراه _ .. من كتابه هروبى إلى الحرية ..
ابدأ فى سرد ما لدى من كلمات ..
إن الإنسان ليس بما يُريد أن يُظهره للناس .. بل بما هو عليه فعلا .. ما هو عليه باطناً قبل ظاهراً ..
فلقد صادفت فى حياتى أصناف من البشر فوجئت لأول مرة وجدت فيها هذا التباعد بين ما يظهروه .. وبين ما تحويه أنفسهم والذى مهما حاولوا إخفاءه .. يظهر رًغما عنهم فى نظرات عيونهم ، فى فلتات ألسنتهم ، وصفحات وجوههم ..
ومن اسوأ الأشياء التى أرى فى زماننا هذا أن ساعدت على انتشار هذا الوضع المؤسف من النفاق الذاتى .. وانقسام الشخصية على نفسها .. بين الكثيرين _ دون انتباه البعض أحياناً لذلك _ هى وسائل الإعلام من الصحافة إلى الإذاعة إلى الشاشات .. وهذا خاص أكثر لفئة معينة من الوجوه الإعلامية ..
ولكنه للأسف بات يشمل الان أيضاً حتى الفئة العامة من الناس ..وذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعى _كما يسمونها_ ..
وأشهرهم على الإطلاق " الفيس بوك" .
وأشير هنا إلى أنى أختلف كثيراً مع هذا التسمية .. وأرى أنه _خاصةً لمن أدمن استخدامه واستغنى به كعالم افتراضى عن عالمه الواقعى_ بات موقع "انفصال" اجتماعى .. وإن كان هناك نوعاً من التواصل فهو إلكتروني بحت ..!
فقد ضعّف الكثير من العلاقات .. وقلل قدرات التعامل والتواصل الاجتماعى الحقيقى مع الآخرين ..
ساعدت هذه المواقع على نشر أفكارنا ومشاعرنا وصورنا بشكل جاوز الحد .. حتى صار فى بعض الأحيان " استعراض الذات ولفت انتباه الآخرين " هو السمة الغالبة الجامعة لأغلب هذه التصرفات _اللهم إلاّ من رحمته_ ..
فنحن نريد أن نُظهر للآخرين كم أننا جميلون .. كم أننا مثقفون .. كم أننا ملتزمون و مُتَدَينون .. كم أننا مرهفون الحس والمشاعر .. كم أننا محبوبون من الآخرين وممدحون .. كم أننا مناضلون وثائرون ومتمردون على النظام ..!!
وحتى لا يخطئ البعض فهم مقصدى .. لا ضير فى أن يظهر منك هذا .. بشرط أن يكون متأصلاً فى قرارة نفسك وأن تصدقه أفعالك .. ويتساوى عندك تماماً أن يعرفه الناس عنك أم لا .. وأن يكون هدفك هو أن يصل للناس هذه الأفكار مجردة ولا يهمك فى هذا إن كانت على لسانك أو لسان غيرك مادامت وصلت إليهم ..
فإن كان غير هذا.. فاحذرأنك قد تنافق ذاتك !
فكما يقول الصحفى شاين هيبز :
"الفيس بوك وسيلة تقوم على تركيز الجزء الأكبر من انتباهنا على أنفسنا فيما تظهر بأنها تُركز الانتباه على الآخرين .. إنه مرآة تتنكر على إنها نافذة !! "
فيا رفاقى .. حاولوا أن تنحّوا الناس جانباً .. وأن تبعدوا عن أفكاركم ماذا سيقول الناس فى هذا الأمر أو ذاك ؟! ..
واسعوا إلى أن تكونوا على سجيتكم وعلى صورتكم الحقيقة .. وطهّروا باطنكم وداخلكم .. يُشرق ظاهركم ..
واجعلوا أفكاركم وأخلاقكم تتجلى فى أفعالكم وتنطق فى حركاتكم وسكناتكم لا فقط بكلماتكم ..
واحيوا حياتكم ببساطة وتواضعٍ لله ..
فلا تسع إلى المدح أو الثناء ..
ولا تغتر به ولا تركن إليه إن قدمه أحدٌ إليك.. بل قل :
" اللهم لا تؤاخذنى بما يقولون ، واغفر لى ما لايعلمون ،واجعلنى خيرٌ مما يظنون "
وكذلك لا تغتم بالذم .. ولا تذهب نفسك حسراتُ عليه .. بل خذ منه ما تحتاج إليه فى إصلاح عيوبك وتنقية ذات ..
ودعّ عنك ما يحطمها ويهدمها ..
وسلوا الله الإخلاص فى القول والعمل ..
سلوه بمناجاة خفية عن أعين الناس ..
سلوه بكل صدق ..
فمن صدق مع الله صدقه ..
No comments:
Post a Comment